بغداد: مصطفى عبادة

في ظلّ التحديات الاقتصادية العالمية المتسارعة، وتحوّلات الأنظمة المالية نحو الرقمنة، يؤمن رئيس رابطة المصارف الخاصة العراقية، وديع نوري الحنظل، أن العراق يقف اليوم على عتبة مرحلة مصيرية من تاريخه المصرفي، عنوانها الأبرز: الإصلاح، والتشريع، وبناء الإنسان.

وفي تصريح خاص، جمع بين الرؤية الاستراتيجية والنبرة الواقعية، كشف الحنظل عن خطة إصلاحية متكاملة تمتد على مدى عامين، تهدف إلى إحداث تحوّل جذري في البنية التحتية للقطاع المصرفي العراقي، وبناء بيئة مالية حديثة تتماشى مع المعايير الدولية، وتُعزز من مكانة العراق على خارطة التمويل الإقليمي والدولي.

“نحن نعمل على إصلاح القطاع المصرفي وفق خارطة طريق واضحة تمتد لعامين، تركز على تعزيز الشمول المالي، ورفع كفاءة المؤسسات المصرفية، وتطوير الكوادر البشرية”، قال الحنظل، مضيفًا: ان “هذا الإصلاح ليس شكليًا، بل جوهري، يطال كل لبنة في المنظومة المصرفية من التشريع إلى الامتثال، ومن التدريب إلى تحديث البنية الرقمية”.

الإصلاح الحقيقي

أولى القضايا التي ركّز عليها الحنظل هي الحاجة الملحّة إلى تشريعات قانونية متكاملة تواكب التطورات التقنية والمالية. وأوضح أن غياب التشريعات الحديثة يترك القطاع مكشوفًا أمام التحديات، ويعرقل جهود مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويضعف من قدرة المصارف على التعامل مع المعايير العالمية.

“التشريعات ليست ترفًا إداريًا، بل هي الحاضنة التي تنمو داخلها الإصلاحات، وإذا لم نواكب العالم قانونيًا، فسنتأخر رقميًا وماليًا، على حدّ تعبيره.

وأشار إلى أن خطة الإصلاح التي يجري تنفيذها الآن تتضمن تعديلات جوهرية على القوانين المصرفية، تتعلق بتعزيز الشفافية، والحوكمة، ومراقبة تدفقات الأموال، وربط المصارف بمنظومة الامتثال الدولية.

معركة الرقمنة

وفي موازاة ذلك، يضع الحنظل ملف تدريب وتأهيل الكوادر البشرية في صدارة الأولويات، باعتباره مفتاحًا أساسيًا للنهضة المصرفية القادمة.

“لا يمكن الحديث عن شمول مالي أو نظم دفع إلكترونية حديثة من دون موظف مصرفي يمتلك أدوات المعرفة الرقمية، ويجيد قراءة البيانات وتحليل مصادر الأموال وتطبيق مبدأ اعرف عميلك”، أكد الحنظل.

وشدد على أن المصارف العراقية بحاجة إلى موظفين متخصصين في قواعد الامتثال، والتحليل المالي، والتقنيات المالية الناشئة (FinTech)، مشيرًا إلى أن الرابطة تعمل على إطلاق برامج تدريبية بالتعاون مع منظمات دولية، ستغطي مختلف المحافظات خلال العامين المقبلين.

العراق يتقدّم

وفي حديثه عن الإنجازات، أشار الحنظل إلى خطوة نوعية تمثلت في انتقال العراق من “المنطقة الرمادية” إلى “منطقة المتابعة” في تصنيف مجموعة العمل المالي (مينافاتف)، معتبرًا أن هذا الإنجاز ليس فقط نتيجة تحركات البنك المركزي، بل ثمرة تعاون واسع بين المؤسسات المالية ورابطة المصارف.

وقال “هذا التصنيف هو شهادة دولية بأن العراق بدأ يُنظر إليه كبيئة مالية يمكن الوثوق بها، وبأننا نسير في الاتجاه الصحيح في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب”،.

وكشف الحنظل أن نسبة الشمول المالي في العراق تجاوزت حاليًا 46%، وهو رقم يضع العراق في موقع متقدّم مقارنة بالسنوات الماضية، ويمهّد لتحقيق هدف طموح يتمثل في الوصول إلى نسبة تتراوح بين 90 و95% خلال السنوات المقبلة.

“نحن نعمل مع البنك المركزي كشركاء حقيقيين للوصول إلى هذا الهدف، وصندوق النقد العربي يتابع مؤشراتنا بإيجابية، ويصف آلياتنا في تنفيذ الشمول المالي بأنها من بين الأفضل في المنطقة”، أوضح الحنظل.

وأشار إلى أن هذا التقدّم يفتح الأبواب أمام دخول شرائح جديدة من المجتمع إلى النظام المالي الرسمي، ما يعني تقليل التعامل النقدي، وتعزيز ثقافة الدفع الإلكتروني، وتشجيع الادخار والاستثمار.

لا تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *