تيبيرا بزنس
في تحول اقتصادي لافت، يبرز على الساحة العالمية ما بات يُعرف بـ”المليونير اليومي”، وهي طبقة جديدة من الأفراد الذين تتراوح ثرواتهم بين مليون وخمسة ملايين دولار، وقد أصبحت تمثل قوة صاعدة تعيد تشكيل مشهد الثروة والاستثمار العالمي. تقرير بنك “يو بي إس” للثروة العالمية لعام 2025، سلّط الضوء على هذه الفئة بوصفها أكثر الفئات ديناميكية في الاقتصاد الشخصي، بعدما كانت قبل عقدين من الزمن شريحة هامشية في الاقتصاد العالمي.
ففي مطلع الألفية، لم يتجاوز عدد “المليونيرات اليوميين” 13 مليون شخص حول العالم. أما في نهاية عام 2024، فقد ارتفع العدد إلى 52 مليون مليونير، أي ما يزيد على أربعة أضعاف خلال ربع قرن، وفقاً لما أوردته مجلة “فورتشن” نقلاً عن التقرير.
ولا يقف التغيير عند حدود العدد فقط، بل يمتد إلى حجم الأصول؛ حيث بلغت القيمة الإجمالية لثروات هذه الفئة نحو 107 تريليونات دولار، وهو رقم يقارب ما يمتلكه الأثرياء من أصحاب الثروات التي تفوق خمسة ملايين دولار (119 تريليون دولار). وبهذا تكون فئة المليونيرات اليوميين قد أصبحت تمثل نحو نصف الخريطة العالمية للثروة، بل وتفوقت من حيث النمو على فئة “فاحشي الثراء” خلال السنوات الأخيرة.
ثروات تتراكم بهدوء
المفارقة في هذه الظاهرة أن الأفراد المنتمين إليها لا يعيشون بالضرورة حياة مترفة أو باذخة، بل تتسم تجربتهم بتراكم هادئ للأصول على مدى سنوات. ما يميزهم ليس الإنفاق، بل الاستثمار طويل الأمد والعوائد المتزايدة من أصول تقليدية كالعقارات والأسهم وصناديق الاستثمار.
كبير الاقتصاديين في “يو بي إس”، بول دونوفان، أشار في التقرير إلى أن التحولات الديموغرافية، واتجاهات أسعار الأصول، وانتقال الثروة بين الأجيال، كلها عوامل غيّرت تدريجياً ملامح توزيع الثروة خلال العقدين الأخيرين. ولفت إلى أن التغيير لا يحدث بشكل انفجاري، بل عبر قنوات عميقة وبطيئة، ما يخلق طبقة جديدة من المليونيرات “غير المرئيين”.
العقارات وريادة الأعمال
من بين العوامل الأساسية التي أسهمت في تشكل هذه الظاهرة، يأتي النمو المتواصل في أسعار العقارات في المدن الكبرى. ففي العديد من الاقتصادات المتقدمة، أدى ارتفاع قيمة العقار الواحد إلى انتقال أصحابه تلقائيًا إلى نادي “المليونير اليومي” دون أن يغيروا نمط حياتهم جذريًا.
في الوقت نفسه، ساهم توسع الأسواق المالية الرقمية، وانتشار أدوات الاستثمار المباشر، في تمكين شريحة أوسع من الأفراد من تكوين محافظ مالية كبيرة، خصوصًا بعد الطفرة التكنولوجية التي سمحت بالوصول إلى الأسواق من أي مكان في العالم.
ويتناول التقرير أيضًا النمو العالمي في روح ريادة الأعمال والعمل الحر، إذ تشير البيانات إلى أن نسبة معتبرة من المليونيرات الجدد هم أصحاب أعمال ومشاريع ناشئة، استفادوا من النمو الرقمي والتجارة الإلكترونية، وليس فقط من أدوات الاستثمار التقليدية.
ميراث الثروة وتوزيعها
من أبرز العوامل المؤثرة كذلك، ما يسميه الخبراء “الانتقال الكبير للثروة”، إذ يُتوقع أن يتم توزيع نحو 83 تريليون دولار عبر الأجيال خلال العقدين القادمين، خاصة في أميركا الشمالية وأوروبا الغربية. هذا الانتقال، الذي يشمل أصولًا عقارية وتجارية ونقدية، يُعد قناة رئيسية لدخول المزيد من الأفراد إلى فئة المليونيرات، حتى دون أن يكونوا من أصحاب المشاريع أو المستثمرين الكبار.
رغم أن ظاهرة “المليونير اليومي” منتشرة عالميًا، إلا أن وتيرتها ونمطها يختلفان من دولة إلى أخرى. في الصين والهند، مثلًا، يتجه المليونير الجديد إلى الاستثمار العقاري أو التكنولوجي، بينما في أوروبا، تميل هذه الفئة إلى الاحتفاظ بالأصول في أدوات مالية مستقرة. أما في الشرق الأوسط، فالصعود نابع غالبًا من العقارات والميراث.
بحسب التوقعات الواردة في تقرير “يو بي إس”، فإن عدد المليونيرات عالميًا سيرتفع بأكثر من 5 ملايين شخص إضافي بحلول عام 2029. وهذا يعزز فكرة أن هذه الفئة ليست مجرد حالة عابرة، بل هي تطور بنيوي في الاقتصاد العالمي.
ومع تسارع تضخم الأصول وزيادة انتقال الثروة، بات “المليونير الصامت” فاعلًا أساسيًا في تشكيل سلوك الأسواق، وتحديد اتجاهات الاستثمار، وخلق الطلب في قطاعات حيوية مثل السكن والتعليم والصحة والخدمات المالية.
ورغم أن هذه الفئة لا تملك اليخوت الخاصة أو الأبراج التجارية، إلا أنها تمثل القوة الاقتصادية الأكثر تأثيرًا في العالم الجديد للثروة.
لا تعليق