عمان: نعمان الدليمي
يعمل مجلس الأعمال العراقي في الأردن بهدوء ودأب على صياغة قصة مختلفة، تُروى بلغة الأرقام والتحالفات الاقتصادية. وسط صخب المشهد الإقليمي المضطرب، يبرز هذا المجلس كأداة استراتيجية لبناء جسور استثمارية بين بغداد وعمّان، تتجاوز حدود التجارة التقليدية لتُرسخ مفهوم التكامل الاقتصادي الحقيقي.
مع توسع فجوة الثقة بين المستثمرين المحليين والواقع العراقي الذي يعاني من عدم استقرار تشريعي، وتحديات بنيوية في بيئة الأعمال، أصبح الخارج خيارًا منطقيًا للعديد من رؤوس الأموال العراقية. الأردن، بجغرافيته السياسية المستقرة وموقعه كمركز لوجستي يربط الخليج ببلاد الشام، تحوّل إلى منصة جاذبة للاستثمار العراقي، وخاصة في قطاعات الخدمات المصرفية، النقل، واللوجستيات.
وتؤكد تقارير إعلامية واقتصادية أن مجلس الأعمال العراقي في الأردن وفّر مظلة آمنة لأكثر من 200 شركة عراقية للاستقرار والعمل في السوق الأردني، من خلال تسهيلات قانونية واتفاقات ثنائية بين الحكومتين.
لم يعد المجلس يقتصر على دوره التمثيلي، بل أصبح لاعبًا مباشرًا في هندسة شراكات اقتصادية وتحفيز رواد الأعمال على استثمار ثرواتهم في بيئة أكثر استقرارًا. كما عمل على التنسيق مع البنوك الأردنية لتسهيل التحويلات المالية وتوفير قنوات تمويل للمشاريع الصغيرة والمتوسطة.
بينما لا تزال الحكومة العراقية تجهد لتهيئة مناخ استثماري داخلي مستقر، يفضّل العديد من المستثمرين العراقيين نقل أنشطتهم إلى الخارج. بعضهم يرى في ذلك “حلًا مؤقتًا”، بينما يعتبره آخرون “إعادة تموضع ذكي” يسمح بإعادة تدوير الأرباح في وقت لاحق إلى العراق، حين تتوفر بيئة أكثر جاذبية. لكن السؤال المحوري يبقى: هل ينبغي للعراق أن يُنظر إلى استثماراته الخارجية كخسارة وطنية، أم كامتداد طبيعي لقدراته الاقتصادية؟
في هذا السياق، يبدو أن الاستثمار في الأردن، خصوصًا في قطاع الخدمات المالية والنقل، يقدّم نموذجًا عمليًا للتكامل الاقتصادي الإقليمي. فقد تمكّن عدد من المصارف العراقية من توسيع أعمالها في عمّان، فيما أسّست شركات عراقية كبرى مراكز لوجستية تستهدف السوق الأردني وأسواق المنطقة، مستفيدة من الاتفاقيات التجارية الحرة التي يتمتع بها الأردن مع أميركا والاتحاد الأوروبي ودول الخليج.
بالتوازي مع هذه التحركات الإقليمية، يشير تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي إلى أن شركات عالمية كبرى، مثل أمازون وتيسلا، ساهمت في رفع معدل النمو الاقتصادي العالمي بنسبة 3.3% بين عامي 2022 و2023. هذا النمو لم يكن ناتجًا عن سياسات حكومية فقط، بل كان انعكاسًا لقوة القطاع الخاص وقدرته على اختراق الأسواق وتوجيه الابتكار نحو الربحية والتنمية معًا.
وفي المقابل، تظل النخب الاقتصادية في العراق تنتظر من الحكومة أن تدرك أن القطاع الخاص ليس منافسًا، بل شريكًا في إنقاذ الاقتصاد الوطني من النمو الريعي، والانتقال نحو اقتصاد متنوع ومستدام. تجربة الاستثمار العراقي في الأردن تثبت أن رؤوس الأموال العراقية قادرة على الازدهار حين تتوفر الحماية القانونية، والحوافز، والاستقرار.
الرهان الآن هو أن يتحوّل هذا النشاط الاقتصادي العابر للحدود إلى سياسة اقتصادية واضحة المعالم، ضمن رؤية استراتيجية وطنية تُعزز العلاقات مع الدول الجوار، وتُشجع على نقل التجربة الناجحة من الخارج إلى الداخل.
ولعل الخطوة القادمة تكمن في دعم هذه المبادرات من قبل البنك المركزي العراقي والهيئة الوطنية للاستثمار، عبر تشريعات تحفظ توازن رأس المال الوطني، وتشجع على “تدوير الأرباح” من الخارج إلى مشاريع بنيوية في الداخل.
لا تعليق