تيبيرا بزنس
في قلب التحولات الرقمية التي يشهدها العراق، وبينما لا يزال القطاع التكنولوجي الناشئ يسعى إلى التبلور، تبرز شركة Lezzoo كأحد أبرز النماذج المبتكرة التي تُعيد تعريف العلاقة بين التكنولوجيا والاقتصاد المحلي. ليس بوصفها مجرد تطبيق توصيل طعام، بل كمثال حي على ما يُعرف اليوم بـ”السوبر آب”، الذي يحتضن تحت مظلته خدمات متعددة تلبي حاجات السوق الاستهلاكي المتعطش لحلول رقمية فعالة في بيئة معقدة ومليئة بالتحديات.
تأسست Lezzoo عام 2018 على يد رائد الأعمال الكردي يذكار مراني، كشركة ناشئة في مجال توصيل الطعام في مدينة أربيل. لكنّ رؤيتها توسعت سريعًا لتشمل خدمات البقالة، الأدوية، المياه، الغاز، التنظيف، وحتى الخدمات الطبية المنزلية. ومع تسارع وتيرة الطلب في ظل جائحة كورونا، تحوّلت الشركة إلى منصة متكاملة تقدم حلولاً حياتية رقمية يومية.
وفي خطوة غير مسبوقة لشركة عراقية، تمكنت Lezzoo من الانضمام إلى أشهر مسرّعة أعمال في وادي السيليكون Y Combinator، مما منحها دفعة قوية في الوصول إلى تمويل دولي، وأسهم في تطوير بنيتها التحتية التقنية ورفع مستوى الخدمة، واستقطاب مستثمرين من أمريكا والخليج العربي.
مصطلح “سوبر آب” يشير إلى تطبيق يجمع خدمات متعددة في منصة واحدة، وهو النموذج الذي بات شائعًا في آسيا (مثل WeChat وGrab). في العراق، يُعد Lezzoo أول تطبيق من هذا النوع، حيث يقدّم تجربة مستخدم متكاملة تُمكن العملاء من طلب الطعام، التسوق من المتاجر، شحن المياه والغاز، وحتى حجز فحوصات منزلية.
وما يميز Lezzoo فعلاً، هو أنها لم تتوقف عند خدمات المستهلك التقليدية، بل توسعت عبر استحواذها في عام 2022 على منصة B2B عراقية تُدعى Saydo، مما أتاح لها تقديم خدمات رقمية لتجار التجزئة والمطاعم، وبالتالي دمج سلسلة التوريد بالكامل ضمن منصة واحدة.
في بيئة اقتصادية معقدة يعاني فيها العراق من الاعتماد شبه الكلي على النفط، تشكل مشاريع مثل Lezzoo فرصة لإعادة التوازن وتحفيز القطاع الخاص غير النفطي. فالشركة اليوم توفر فرص عمل لمئات العراقيين بشكل مباشر وغير مباشر، من خلال توظيف السائقين، موظفي الدعم الفني، خدمات التعبئة، والتقنيين.
ووفقاً لتصريحات الشركة، فإن عدد الطلبات الشهرية تخطّى 50,000 طلب شهرياً في منتصف 2023، كما ارتفعت نسبة التوسع في المناطق المغطاة إلى 6 محافظات رئيسية، مع خطط لدخول بغداد والبصرة بقوة.
إضافة إلى ذلك، تسهم Lezzoo في تعزيز الشمول المالي من خلال الدفع الإلكتروني، وتقليل الاعتماد على النقد، وهو تحول بالغ الأهمية في بلد يُعد من الأقل رقمنة على مستوى المنطقة.
ورغم هذا النجاح اللافت، إلا أن الطريق أمام Lezzoo لا يخلو من التحديات. أبرزها: ضعف البنية التحتية للإنترنت في بعض المحافظات، محدودية الدفع الإلكتروني، والافتقار إلى قوانين حديثة تنظم التجارة الرقمية.
لكن بالمقابل، فإن الشراكات التي تعقدها الشركة مع كيانات إقليمية – مثل تعاونها مع شركة Dukkantek الإماراتية – تعزز فرصها في تطوير أنظمة محاسبية سحابية للتجار، ما يعني تسريع وتيرة التحول الرقمي في قطاع التجزئة.
كما أن اعتمادها على فرق تطوير محلية يمكّنها من فهم خصوصية السوق العراقي أكثر من المنافسين العالميين، مما يجعلها في موقع ريادي يصعب تعويضه على المدى القريب.
سؤال يطرح نفسه بقوة، خاصة مع ما أبدته Lezzoo من قدرة على بناء نموذج أعمال مرن يتكيّف مع تعقيدات السوق العراقي. وإذا ما استمرت في مسارها التصاعدي، قد نرى في السنوات المقبلة نسخة من Lezzoo تعمل في أسواق مماثلة مثل سوريا واليمن والسودان، حيث تتشابه التحديات البنيوية وتتطلب حلولاً تقنية محلية.
في خضم الضبابية الاقتصادية التي تلف المشهد العراقي، تأتي Lezzoo كمثال حي على قدرة العقول المحلية على توليد الحلول، والتفوق في مضمار عالمي. إنها ليست مجرد شركة توصيل، بل مختبر مفتوح للابتكار، ومحفّز للتغيير، وجسر جديد بين الاقتصاد التقليدي والرقمي.
وإذا كانت الحكومة العراقية تبحث بجدية عن روافع بديلة للاقتصاد، فمشاريع مثل Lezzoo تستحق أن تكون في صدارة أولويات التحفيز والدعم، لا بوصفها مجرد مشروع تجاري، بل كـ”منصة أمل” في اقتصاد يبحث عن طريقه نحو التنوع والاستدامة.
لا تعليق