طلال الحربي

لم تعد العلاقات العراقية-السعودية رهينة الحسابات السياسية أو الأمنية فقط، بل باتت ترتكز على أسس اقتصادية عميقة تسعى لإعادة رسم خريطة المصالح المشتركة في الإقليم. في الجلسة الخامسة لمجلس التنسيق السعودي–العراقي التي عقدت في جدة، برز توجه جديد، عمليّ الطابع، يركّز على توسيع قاعدة التعاون الاقتصادي والاستثماري بما ينسجم مع رؤية السعودية 2030 والتطلعات العراقية نحو إعادة الإعمار والتنمية.

الاجتماع الذي ترأسه من الجانب السعودي وزير التجارة الدكتور ماجد القصبي، لم يكن مجرد لقاء بروتوكولي، بل منصة تنفيذية اتُخذت فيها خطوات ملموسة، أبرزها مشروع الربط الكهربائي بسعة 1000 ميغاواط، وإطلاق مشاريع طاقة متجددة بالشراكة مع شركات سعودية مثل “أكوا باور”، إضافة إلى خطط لتطوير مناطق اقتصادية مشتركة على الحدود.

وقد حملت الجلسة رسائل سياسية واقتصادية في آنٍ واحد، تؤكد أن الاستقرار الاقتصادي يمكن أن يكون أداة قوية لإرساء الأمن، وربما التفاهم الإقليمي. السعودية، عبر صندوق الاستثمارات العامة، أبدت استعدادها الكامل للانخراط في تمويل مشاريع زراعية وصناعية في الأراضي العراقية، وهي خطوة مهمة في بلد يمتلك مقومات زراعية هائلة ظلت مهملة بفعل التحديات السياسية والفساد.

ما يميز هذا التعاون هو أنه لم يقتصر على النيات، بل تم توقيع اتفاقيات لتسهيل التبادل التجاري، وفتح فروع للمصارف السعودية في العراق، إلى جانب اتفاقيات لتفادي الازدواج الضريبي وتحفيز الاستثمار. وهذا يشير إلى فهم مشترك بأن التعاون لا يمكن أن يكون مثمرًا دون قاعدة مؤسساتية ومالية صلبة.

إن الرسالة الأهم التي يحملها هذا التوجه الخليجي، وتحديدًا السعودي، نحو العراق، هي أن الاستثمار في الاستقرار قد يوازي، إن لم يتجاوز، الاستثمار في الحقول النفطية. وبالنظر إلى المعطيات، فإن توسيع هذا التعاون يشكّل فرصة تاريخية للعراق ليلعب دورًا حيويًا في الربط الاقتصادي بين الخليج وبلاد الشام، بل حتى تركيا وأوروبا لاحقًا.

لا تعليق

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *